فضيلة الاحتمال
الخميس أبريل 08, 2010 12:09 am
فضيلة الاحتمال
بقلم: البابا شنودة الثالث |
الاحتمال موضوع طويل, وله أسباب عديدة: فهناك من يحتمل بسبب الوداعة والهدوء في طبعه. وهناك من يحتمل لاتضاع قلبه. أو بسبب الحكمة إذ يتجنب عواقب الأمور. أو لأسباب أخري. ولكن موضوعنا الآن هو الاحتمال بسب المحبة, المحبة التي تحتمل كل شئفالذي يحب شخصا يكون مستعدا أن يحتمل منه, وأن يحتمل من أجله, يحتمل منه إساءاته وأخطاءه. ويحتمل من أجله في الدفاع عنه. ومن أمثلة المحبة التي تحتمل, محبة الأمومة ومحبة الأبوة: فالأم تحتمل متاعب الحمل والولادة, ومتاعب الرضاعة, وحمل الابن في صغره, ومتاعب الصبر في تربية أبنائها والعناية بهم في غذائهم وفي نظافتهم, وفي الاهتمام بصحتهم, وفي تعليمهم النطق والكلام, وفي الصبر علي صراخ الاطفال وصياحهم وعنادهم إلي أن يكبروا. ومن جهة الأب: يحتمل كثيرا في تربية أبنائه, وفي مشقة العمل للإنفاق عليهم وتوفير كافة احتياجاتهم. ومن أمثلة المحبة التي تحتمل, ما احتمله الشهداء من سجن وعذابات لاتطاق, ثابتين في محبة الله, ورافضين أن ينكروه إلي أن قطعت رقابهم.. ولاننسي أيضا احتمال الانبياء والرسل في نشر رسالة الايمان, ومايتلقونه من متاعب ومقاومات. ومن أجل محبة الله أيضا احتمل الرهبان والنساك أن يعيشوا في البراري والقفار وشقوق الأرض, بعيدا عن كل عزاء بشري, في شظف الحياة زاهدين في كل شئ. ومن أمثلة المحبة التي تحتمل, محبة الجنود لوطنهم. إذ يحتملون مشاق التدريب والحرب, والتعرض للموت أو للاصابة. وربما يحتملون أيضا فقد بعض أعضائهم, أو التعرض لجروح شديدة أو تشوهات.. ونفس الوضع نقوله علي ما تحتمله الشرطة لحفظ الامن, ومايتعرضون له احيانا من مقاومات من المتمردين علي النظام. كل هذه الأمثلة عن المحبة من أجل الغير, المحبة التي لاتطلب مالنفسها... ومن الأمثلة أيضا رجال المطافئ, وفرق الانقاذ علي تنوع تخصصاتهم. أولئك يعرضون انفسهم للحريق أو للغرق أو للموت بأنواع كثيرة من اجل الغير. ننتقل إلي نقطة أخري وهي الحديث عن محبة المخطئين واحتمال تصرفاتهم. المحبة التي تحتمل الغير وتغفر له, والمحبة التي تحتمل الإساءة ولاترد بالمثل. ولاتشهر بالمخطئ, ولا تشكو منه, بل المحبة التي تنسي الأساءة, ولاتخزنها في ذاكرتها كما يفعل البعض إذ يتذكر الإساءة لشهور وسنوات, أما المحبة الغافرة فكثيرا ماتنسي حقوقها الخاصة. المحبة التي تحتمل هي محبة الشخص صاحب القلب الكبير الواسع. الذي يحتمل كلام الآخرين حتي لو كان ذلك بألفاظ صعبة. ويحتمل حتي الفكاهة ولو كانت بأسلوب يبدو فيه تهكم. ويحتمل العتاب القاسي ولايتضايق. علي أن يكون الاحتمال في غير ضجر ولاتذمر ولاضيق. بل بصدر رحب وروح طيبة, غير متمركز حول ذاته وحول كرامتها... وطبيعي أن المحبة التي لاتطلب مالنفسها, سوف لاتطلب حقوقا لذاتها, وبالتالي ستحتمل كل شئ, دون أن تحتد. بعض الناس لايحتملون الذين لايفهمونه. ومن هنا كانت مشكلة الأذكياء مع الجهلاء أو الاقل فهما, أو مع الطبقات الجاهلة. لذلك يبعد مثل هؤلاء الاذكياء عن كثيرين من الناس. وقد لايحتمل الواحد منهم طول الوقت في إقناع غيره, فيبعد عنه. بينما لو كانت في قلبه محبة لأطال أناته علي من لايفهمه, وبمحبته يصبر عليه. وبذلك يمكنه أن يضم إليه هذا الجاهل باحتماله له, ويرجو منه خيرا! ونفس الوضع في معاملته للأطفال. إن القلب الضيق الخالي من الحب, هو الذي لايحتمل الآخرين. أما القلب المتسع فيستطيع أن يحتمل كل الناس. لذلك كن متسعا في قلبك وفي صدرك وفي فهمك. ولاتتضايق بسرعة واعرف أن المجتمع فيه أنواع متعددة من الناس. وليسوا جميعا من النوع الذي تريده. يوجد فيهم كثيرون لم يصلوا بعد إلي المستوي المثالي, ولا إلي المستوي المتوسط. وعلينا أن نحبهم جميعا. وبالمحبة ننزل إلي مستواهم لنرفعهم إلي مستوي أعلي. نتأني عليهم, ونترفق بهم, ونحتمل كل مايصدر من جهالاتهم, ونصبر عليهم حتي يصلوا.. لاتقل: الناس متعبون. بل بمحبتك تعامل معهم, وحاول أن تصلح من طباعهم. لأنك لو كنت لاتتعامل إلا مع المثاليين, فعليك أن تبحث عن عالم آخر تعيش فيه. وكم مرة قدمنا لله توبة كاذبة, وكان الله يقبلنا. ثم نعود إلي خطايانا السابقة, ويحتملنا الله ويطيل آناته علينا حتي نتوب مرة أخري. وكم مرة يأتي موعد الصلاة, فنقول ليس لدينا وقت لنصلي! عجيب أن هذا التراب يقول لخالقه: ليس لدي وقت لأكلمك!!, ويحتمل الله عبده... وكأنه يقول لهذا العبد: إن وجدت وقتا افتكرني. حقا ليتنا نتعلم دروسا من معاملة الله, ونحتمل الناس. نحتملهم كما يحتملنا الله, ونحتملهم كما احتملهم. كذلك الإنسان المحب لله يحتمل التجارب والمشاكل والأمراض. ولاتتزعزع محبته لله مهما طال وقت التجربة أو ا زدادت حدتها. بل يحتمل في ثقة وفي غير تذمر ولايتعجل حل المشكلات.. بل ينتظر الرب متي يحين الوقت الذي يخلصه فيه. والذي يحب الله لايتضايق من انتظاره للرب بل يحتمل. فقد يصلي, ولايجد أن الصلاة قد استجيبت. فلا يشك في محبة الله له, ولايظن أن الله قد نسيه. بل يحتمل مايظنه متأخرا في الاستجابة!! واثقا أن الله لابد سيعمل من أجله. ولكن الله دائما يعمل في الوقت المناسب حسب حكمته. إن القلب الضيق أو الذي محبته قليلة, هو الذي يتضجر. ويريد أن يطلب الطلب, ويناله في التو واللحظة, دون أن يحتمل عامل الزمن!! منقووول |
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى