- MONYvery good
العنوان : قلب يسوع
شفيعك : البابا كيرلس والانبا مقار
عدد الرسائل : 830
العمر : 32
نقاط : 7185
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 13/11/2009
قصة رائعة من كتاب (عندما لا تمطر السماء)..
الأربعاء أبريل 21, 2010 7:24 am
الغريب
(فيليب يانسي، كتاب "عندما لا تمطر السماء"،
ص290-292)
كنت ذات عطلة أزور والدتي، وهي تقيم على بعد يتجاوز 1100
كم. واستغرقنا في ذكريات الماضي البعيد، على عادة الأمّهات والأبناء. وكان لا بدّ
أن تنزل العلبة الكبيرة التي تحوي الصور القديمة من على رفّ الخزانة، وتكبّ منها
كومة مختلطة من المستطيلات الرقيقة التي تشهد لتدرّجي عبر الطفولة والمراهقة: زيّ
رعاة البقر وزيّ الهنود الحمر، بدلة كُتنتايل في مسرحية الصفّ الأوّل، حيواناتي
الأليفة في صغري، حفلات البيانو التي لا تنتهي، وقائع التخرُّج من المرحلتين
الابتدائية والثانوية ثم من الجامعة أخيراً.
بين تلك
الصور، وجدت صورة طفل مكتوباً اسمي على قفاها. لم يكن في الصورة بحدّ ذاتها شيءٌ
غير مألوف، إذ بدوت مثل أيّ طفل آخر: لحيم الخدّين، شبه أصلع، ذا عينين لا تركّزان
النظر. ولكن بطاقة الصورة كانت مغضَّنة ومفسَدة، كأنما عبث بها أحد حيواناتي
الأليفة في صغري. وسألت والدتي عن سبب تشبُّثها بهذه الصورة المُهانة، مع أنّ لديها
كثيراً غيرها من الصور السليمة.
ثمّة أمرٌ ينبغي أن تعرفه عن أسرتي: لمّا
كنتُ ابن عشرة أشهر، أصيب والدي بالشلل القطَني الشوكي. وبعد ثلاثة أشهر توفّي،
بُعيد ذكرى ميلادي الأوّل. وقد شُلّ والدي كليّاً وهو في الرابعة والعشرين من عمره،
ووهنت عضلاته جدّاً حتى اضطُرّ لأن يعيش داخل برميل فولاذي كبير يقوم بالتنفس عوضاً
عنه. وكان زوّاره قليلين- إذ إنَّ الناس عام 1950 كانوا ذوي وساوس من جهة الشلل
مثلما هم اليوم من جهة السيدا (الإيدز). والزائرة الوحيدة التي كانت تعوده بأمانة،
والدتي، كانت تجلس في مكان معيَّن بحيث يُتاح له أن يراها في مرآة مثبَّتة بجانب
الرئة الفولاذية.
وشرحت لي أمي أنّها احتفظت بتلك الصورة كتذكار، لأنّها في
أثناء مرض والدي علِّقت برئته المعدنية. وكان قد طلب صوراً لها ولابنيه الاثنين،
فاضطُرّت لأن تحشر الصور ما بين بعض المقابض المعدنية. من هنا تغضُّن صورتي
طفلاً.
نادراً ما رأيتُ أبي بعد إدخاله المستشفى، إذ لم
يكن مسموحاً بإحضار الأطفال إلى جناح المشلولين. ثم إنني كنتُ صغيراً جدّاً، بحيث
لو سُمح لي بالدخول ما كنتُ لأحفظ الذكريات.
وحين أخبرتني والدتي قصّة
الصورة المغضَّنة، حصلت لديّ ردّة فعل غريبة وقوية. فقد بدا أمراً غريباً أن أتصوّر
شخصاً يعنيه أمري، رغم أنّي لم ألتقه قطّ، بمعنى ما. ذلك أنّ أبي، في أثناء أشهر
عمره الأخيرة، قضى ساعات يقظته محدِّقاً إلى تلك الصور الثلاث لعائلته، عائلتي. ولم
يكن في نطاق رؤيته أيّ شيء آخر. فماذا كان يفعل طول النهار؟ اكان يصلّي لأجلنا؟
نعم، بكل يقين؟ أكان يحبّنا؟ نعم! ولكن كيف لمشلولٍ أن يعبِّر عن حبّه، ولا سيَّما
حين يكون حضور ولديه إلى الغرفة محظوراً؟
غالباً ما فكّرت
بتلك الصورة المغضَّنة، لأنها واحدةٌ من الحلقات القليلة التي تربطني بالغريب الذي
كان أبي، ذاك الغريب الذي مات أصغر منّي الآن بعقدٍ من الزمن (عام 1988 بلغ يانسي
39 عاماً). فإنّ شخصاً لا ذكرى لديّ عنه، ولا معرفة حسّيّة لي به، قضى طول اليوم كل
يوم مفكِّراً فيّ، مكرِّساً ذاته لي، محِبّاً إياي كأفضل ما يستطيع. وربّما، بطريقة
من الطرق غامضة وعجيبة، يقوم بذلك الآن أيضاً في بعدٍ آخر. ولعلي أحظى يوماً بوقتٍ،
وقتٍ كافٍ وافٍ، لتجديد علاقة أُنهيت نهاية قاسية حالما ابتدأت.
وقد
ذكرتُ هذه القصة لأنّ المشاعر التي خالجتني عندما أرتني أمي الصورة المغضَّنة كانت
هي بعينها المشاعر التي خالجتني تلك الليلة من شباط (فبراير) في غرفة بمهجع كلّيّة
إذ آمنت أوّل مرّة بإله محبة. إذ ذاك أدركتُ ان هنالك شخصاً عظيماً...شخصاً يراقب
الحياة وهي تتكشّف على هذا الكوكب. ثم إن هنالك شخصاً يحبّني. وكان ذلك شعوراً
مذهلاً عامراً بالرجاء العجيب، شعوراً بالغ الجِدّة والحِدّة بحيث بدا جديراً
تماماً بأن أخاطر بحياتي في سبيله.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى